mardi 30 juin 2015

كتاب الطهارة



مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين

فتاوى الفقه
كتاب الطهارة
باب المياه

1) سُئل فضيلة الشيخ : عن أقسام المياه ؟
فأجاب حفظه الله تعالى قائلاً : الراجح أن الماء قسمان : طهور ونجس ، فما تغير بالنجاسة ، فهو نجس ، وما لم يتغير بنجاسة ، فهو طَهُورٌ .
أما إثبات قسم ثالث ، وهو الطاهر ، فلا أصل لذلك في الشريعة ، والدليل على هذا هو عدم الدليل ، إذ لو كان القسم الطاهر ثابتاً بالشرع ، لكان أمراً معلوماً مفهوماً،تأتي به الأحاديث البينة الواضحة ، لأن الحاجة تدعو إلى بيانه ، وليس بالأمر الهين ، إذ يترتب عليه : إما أن يتطهر بماء أو يتيمم .
2) وسُئل فضيلته : ما الأصل في الطهارة من الحدث والخبث ؟
فأجاب بقوله : الأصل في الطهارة من الحدث الماء ، ولا طهارة إلا بالماء، سواء كان الماء نقيّاً ، أم متغيِّراً بشيء طاهر ، لأن القول الراجح : أن الماء إذا تغيّر بشيء طاهر ، وهو باقٍ على اسم الماء ، أنه لا تزول طهور يته ، بل طهور طاهر في نفسه ، مطهر لغيره ، فإن لم يوجد الماء أو خيف الضرر باستعماله ، فإنه يُعدَل عنه إلى التيمم ، بضرب الأرض بالكفين ، ثم مسح الوجه بهما ، ومسح بعضهما ببعض . هذا بالنسبة

(11/86)

للطهارة من الحدث .
أما الطهارة من الخبث ، فإن أي مزيل يُزيل ذلك الخبث ، من ماء أو غيره تحصل به الطهارة ، وذلك لأن الطهارة من الخبث يُقصَد بها إزالة تلك العين الخبيثة بأي مزيل ، فإذا زالت هذه العين الخبيثة بماء أو بنزين أو غيره من السائلات أو الجامدات على وجه تام ، فإن هذا يكون تطهيراً لها ، لكن لابد من سبع غسلات إحداهن بالتراب في نجاسة الكلب ، وبهذا نعرف الفرق بين ما يحصل به التطهير في باب الخبث ، وبين ما يحصل به التطهير في باب الحدث .

3) وسئل رعاه الله بمنه وكرمه : هل تطهر النجاسة بغير الماء ؟ وهل البخار الذي تغسل به الأكوات مطهر لها ؟
فأجاب قائلاً : إزالة النجاسة ليست مما يُتعبد به قصداً ، أي أنها ليست عبادة مقصودة ، وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة ، فبأي شيء أزال النجاسة ، وزالت وزال أثرها ، فإنه يكون ذلك الشيء مطهِّراً لها ، سواء كان بالماء أو بالبنزين، أو أي مزيل يكون ، فمتى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون، فإنه يُعتبر ذلك تطهيراً لها ، حتى إنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، لو زالت بالشمس والريح فإنه يطهر المحل ، لأنها كما قلت : هي عين نجسة خبيثة ، متى وجدت صار المحل متنجِّساً بها ، ومتى زالت عاد المكان إلى أصلة ، أي إلى طهارته ، فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها ، إلا إنه يُعفى عن اللون المعجوز عنه ، فإنه يكون مطهِّراً لها ، وبناءً على ذلك نقول : إن البخار الذي تُغسل به الأكوات إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهِّراً .

(11/87)

4) وسئل : هل يصح الوضوء بالماء المالح بطبيعته أو المستخرج من الأرض بواسطة المكائن ؟
فأجاب فضيلته : نعم يصح الوضوء بالماء المالح بطبيعته أو بوضع ملح فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الوضوء بماء البحر فقال : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " .
ومن المعلوم أن مياه البحر مالحة فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء المالح سواء كان الملح طارئاً أو كان مالحاً من أصله .
وكذلك يجوز الوضوء بالماء الذي أخرج بالمكائن وغيرها من الآلات الحديثة لأن هذا داخل في قوله تعالى : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ? . إلى قوله : ? وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ? (1) .

5 ) وسُئل الشيخ - أعلى الله مكانه ومكانته - عن حكم الماء المتغير ّ بطول مُكثه ؟
فأجاب بقوله : هذا الماء طهور وإن تغير ، لأنه لم يتغير بمازج خارج وإنما تغير بطول مُكثه في هذا المكان ، وهذا لا بأس به يُتوضأ منه والوضوء صحيح .
6 ) وسئل : عن حكم الوضوء من بركة يبقى الماء فيها مدة طويلة فيتغير لونه وطعمه ؟
فأجاب بقوله : لا بأس بالوضوء من تلك البركة ما داموا

(11/88)

يتوضأون خارجها ، ولا يغتسلون في داخلها ، لأنه لا يضرّ تغير الماء بمكثه ، إنما يضرّ لو تغير بنجاسة ، وكذلك لو كانوا يغتسلون من الجنابة بداخلها ، لِنَهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري ، أما ما داموا يغتسلون ويتوضأون خارجها فلا حرج في ذلك والباقي طهور يتوضأون منه إلى أن ينفذ .
7) وسئل : إذا مشى الإنسان في ماء متخلف من ماء الوضوء فهل يعتبر نجساً ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا كان الماء لم يَتغيَّر بالنَّجاسة فهو طاهر ، فإن تغيَّر بالنجاسة فهو نجس ٌ وعلى من تلوَّثت رجله به أن يغسلها ، وكذلك من تلوثت نعاله به أن يغسل ما تلوث إلا ما يباشر الأرض فإن الأرض تُطَهّره .
8) سئل فضيلة الشيخ : عن تكرير الماء المتلوث بالنجاسات حتى يعود الماء نقيّاً سليماً من الروائح الخبيثة ومن تأثيرها في طعمه ولونه ؟ وعن حكم استعمال هذا الماء في سقي المزارع والحدائق وطهارة الإنسان وشربه ؟
فأجاب بقوله : في حال تكرير الماء التكرير المتقدم ، الذي يُزيل تلوثه بالنجاسة حتى يعود نقيّاً سليماً من الروائح الخبيثة ومن تأثيرها في طعمه ولونه ، مأمون العاقبة من الناحية الصحية ، في هذه الحال لا شّك في طهارة الماء ، وأنه يجوز استعماله في طهارة الإنسان وشربه وأكله وغير ذلك ، لأنه صار طهوراً لزوال أثر النجاسة طعماً ورائحة ً ولوناً ، وفي الحديث عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه " .
وفي

(11/89)

رواية : " أن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه " . وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً من حيث السند وأكثر أهل العلم لا يثبتونه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل قال النووي : اتفق المحدِّثون على تضعيفه ، لكنه في الحقيقة صحيح من حيث المعنى ، لتأيده بالأحاديث الدالة على إزالة النجاسة بالغسل ، فإنها تدل على أنه إذا زال أثر النجاسة بالغسل ، فإنها تدل على أنه إذا زال أثر النجاسة طهر ما أصابته ، ولأن أهل العلم مجمعون على أن الماء إذا أصابته النجاسة فغّيرت ريحه أو طعمه أو لونه صار نجساً ، وإن لم تغيره فهو باق على طهوريته ، إلا إذا كان دون القلتين ، فإن بعضهم يرى أن ينجس وإن لم يتغير والصحيح أنه لا ينجس إلا بالتغير ، لأن النظر والقياس يقتضي ذلك ، فإنه إذا تغير بالنجاسة فقد أثرت فيه خبثاً ، فإذا لم يتغير بها فكيف يجعل له حكمها ؟
إذا تبين ذلك وأن مدار نجاسة الماء على تغيره ، فإنه إذا زال تغيره بأي وسيلة عاد حكم الطهورية إليه ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، وقد نصّ الفقهاء - رحمهم الله - على أن الماء الكثير وهو الذي يبلغ القُلّتين عندهم إذا زال تغيره ولو بنفسه بدون محاولة فإنه يطهر .
وفي حال تكرير الماء التكرير الأولي والثانوي ، الذي لا يزيل أثر النجاسة لا يجوز استعماله في طهارة الإنسان وشربه ، لأن أثر النجاسة فيه باقٍ ، إلا إذا قدر أن هذا الأثر الباقي لا يتغير به ريح الماء ولا طعمه ولا لونه ، لا تغيراً قليلاً ولا كثيراً ، فحينئذٍ يعود إلى طهوريته ، ويستعمل في طهارة الإنسان وشربه ، كالمكرر تكريراً متقدماً .
وأما استعماله أعني الذي بقي فيه أثر النجاسة في ريحه أو طعمه أو لونه ، إذا استعمل في سقي الحدائق والمزارع والمنتزهات الشعبية ، فالمشهور عند الحنابلة أنه يحرم ثمر وزرع سقي بنجس أو سمّد به

(11/90)

لنجاسته بذلك ، حتى يسقى بطاهر ، وتزول عين النجاسة ، وعلى هذا يحرم السقي والسماد وقت الثمار ، لأنه يفضي إلى تنجيسه وتحريمه .
وذهب أكثر أهل العلم إلا أنه لا يحرم ولا ينجس بذلك إلا أن يظهر أثر النجاسة في الحب والثمر ، وهذا هو الصحيح ، والغالب أن النجاسة تستحيل فلا يظهر لها أثر في الحبّ والثمر لكن ينبغي أن يلاحظ أن المنتزهات والجالسين فيها، أو تحرمهم الجلوس والتنزه وهذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البراز في الموارد وقارعة الطريق ، وظل الناس ، لأن ذلك يقذرهم ، فعليه يجب أن لا تسقى المنتزهات والحدائق العامة بالمياه النجسة ، أو تسمّد بالأسمدة النجسة ، والله الموفق.
__________
(1) سورة المائدة ، الآية 6 .



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire